Shopping Cart
Total:

$0.00

Items:

0

Your cart is empty
Keep Shopping

لبنان يُحبط تهريب مهاجرين وأسلحة من سوريا: الجيش يوقف مركبًا يقلّ 27 سوريًا عبر البحر ويضبط مهرب أسلحة مرافق

في حادثة تُسلّط الضوء على أزمات متشابكة من الفقر والهجرة غير الشرعية وانعدام الأمن الحدودي، أعلن الجيش اللبناني عن إحباط محاولة تهريب بحرية جديدة انطلقت من الشواطئ السورية، كانت تقلّ على متنها 27 مهاجرًا سوريًا، إضافة إلى مهرب أسلحة يُعتقد أنه جزء من شبكة منظمة. هذه الواقعة، التي شهدت توقيف المركب قبالة السواحل الشمالية للبنان، لم تكن الأولى من نوعها، لكنها تكشف عن تصاعد الظاهرة المركّبة للهجرة والتهريب، والتي باتت تقلق السلطات اللبنانية والدول المجاورة.

الحادثة تطرح الكثير من الأسئلة: ما الذي يدفع السوريين للمجازفة بحياتهم في عرض البحر؟ من يقف وراء شبكات التهريب؟ ولماذا تترافق هذه المحاولات مع عمليات تسليح؟ في هذا المقال، نحاول رسم ملامح الصورة الكاملة لهذا الملف الشائك، من الدوافع إلى التداعيات، مرورًا بالحلول الغائبة.


مغادرة اليأس: البحر منفذ الفقراء

منذ اندلاع الأزمة السورية، شكّل لبنان نقطة عبور مركزية للسوريين الهاربين من الحرب أو الباحثين عن حياة كريمة. وبينما كان الأمر في البداية يتم عبر الطرق البرية، انتقلت موجات التهريب لاحقًا إلى البحر، خاصةً من الساحل السوري باتجاه السواحل اللبنانية، ومنها لاحقًا إلى قبرص أو اليونان.

القوارب الصغيرة، التي لا تصلح للملاحة في أغلب الأحيان، تحمل أطفالًا ونساءً ورجالًا في ظروف لا إنسانية، بحثًا عن فرصة جديدة في الحياة، أو على الأقل هربًا من الموت البطيء بسبب الفقر والعجز وانسداد الأفق.

في حادثة المركب الأخيرة، تبين أن معظم الركاب من فئة الشباب والعائلات الفقيرة، ودفعوا مبالغ تتراوح بين 1,500 و4,000 دولار للفرد، وهو مبلغ يجمعه السوريون بصعوبة بالغة، عبر بيع ممتلكاتهم أو الاستدانة.


مافيا التهريب: من البشر إلى السلاح

الخطير في هذه الحادثة لم يكن فقط وجود 27 مهاجرًا غير شرعي، بل أيضًا ضبط مهرب أسلحة كان على متن المركب، يُعتقد أنه كان ينقل شحنة خفيفة من الذخائر والأسلحة الفردية، تم إخفاؤها بطرق دقيقة بين الحقائب والمؤن.

ويُرجّح أن تكون العملية جزءًا من شبكة تهريب أوسع، تعمل على نقل السلاح من مناطق شمال غرب سوريا، مرورًا بطرطوس أو بانياس، ثم إلى شمال لبنان، حيث يتم بيعها أو تسليمها لمجموعات مسلحة أو شبكات محلية.

الربط بين تهريب البشر والسلاح ليس جديدًا، لكنه يشهد تطورًا نوعيًا، حيث تستغل الشبكات المنظمة حالة الفوضى، وتستفيد من وجود المهاجرين كغطاء لتمرير الأسلحة دون لفت الانتباه.


خطر على لبنان وأبعد من ذلك

لبنان، الذي يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة، وتوترات داخلية متصاعدة، بات يرى في هذه العمليات خطرًا مباشرًا على أمنه القومي. فمن جهة، هناك ضغط متزايد بسبب العدد الكبير من اللاجئين السوريين، والذي يُقدّر بأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ، يعيش كثير منهم في ظروف قاسية.

ومن جهة أخرى، يشكل تهريب السلاح تهديدًا أمنيًا مباشرًا، حيث قد تصل هذه الأسلحة إلى جماعات متطرفة، أو تُستخدم في النزاعات المحلية داخل لبنان، أو تُهرّب لاحقًا إلى وجهات أخرى.

الدول الأوروبية أيضًا تتابع هذه التطورات بقلق، إذ أن بعض هذه القوارب تصل إلى شواطئها أو تُستخدم في تسهيل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مما يخلق أزمة قانونية وإنسانية جديدة على السواحل الجنوبية للاتحاد الأوروبي.


ضعف الرقابة الحدودية: فجوات قاتلة

رغم الجهود المبذولة من قبل الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، إلا أن الحدود البحرية والبرية بين لبنان وسوريا لا تزال تعاني من ضعف الرقابة، وسهولة الاختراق. وتُشير التقارير إلى وجود أكثر من 100 معبر غير شرعي على الحدود الشمالية والشرقية، تُستخدم لتهريب البشر، المازوت، الدخان، والمخدرات، والآن السلاح.

البحر، رغم صعوبة الملاحة فيه، أصبح بديلًا لهذه الطرق، ويستغل المهربون الظلام وسوء الأحوال الجوية لتنفيذ عملياتهم، مدفوعين بأرباح هائلة تتجاوز عشرات آلاف الدولارات في كل رحلة.


من يتحمل المسؤولية؟

المسؤولية موزعة على عدة أطراف:

  1. السلطات السورية، التي تُتهم بعدم ضبط السواحل وترك شبكات التهريب تعمل بحرية، سواء بتواطؤ أو بضعف الإمكانات.

  2. السلطات اللبنانية، التي تُواجه تحديات أمنية كبيرة، لكنها لا تملك القدرة الكافية لضبط البحر والبر في آن معًا.

  3. المجتمع الدولي، الذي يركّز على وقف الهجرة غير الشرعية، دون أن يعالج جذور الأزمة داخل سوريا.

  4. شركات الملاحة والتجار المحليين، الذين يدخلون في هذه العمليات بحثًا عن الربح، بغض النظر عن الكلفة الأخلاقية والإنسانية.


مصير المهاجرين: أحلام على شواطئ الموت

السوريون الذين يتم توقيفهم في هذه العمليات يواجهون مصيرًا غامضًا. في لبنان، يتم تحويلهم إلى الجهات الأمنية للتحقيق، وقد يُرحّلون إلى سوريا، أو يُحتجزون لفترات طويلة، في مراكز لا تصلح للسكن.

أما الذين ينجحون في الوصول إلى قبرص أو اليونان، فغالبًا ما يُواجهون الرفض أو الترحيل القسري، بموجب الاتفاقيات الأوروبية الجديدة، التي تنص على إعادة اللاجئين إلى دول “العبور الآمن”، ومنها لبنان أو تركيا.

وهكذا، يجد السوري نفسه بين ثلاثة خيارات أحلاها مرّ: الموت في البحر، الاعتقال والترحيل، أو العودة إلى واقع مأساوي كان يحاول الفرار منه.


ما الحل؟ بين الوقاية والمعالجة

المطلوب اليوم ليس فقط تشديد الإجراءات الأمنية، بل معالجة جذرية لملف التهريب والهجرة، من خلال:

  1. توفير بدائل اقتصادية داخل سوريا تُقلل من دوافع الهجرة.

  2. تفعيل التعاون بين سوريا ولبنان لضبط السواحل والمعابر، على أساس التنسيق الأمني لا السياسي.

  3. محاكمة شبكات التهريب بصرامة، وعدم التساهل مع أي جهة متورطة، مهما كان نفوذها.

  4. فتح قنوات آمنة للهجرة الشرعية عبر منظمات دولية، وتخفيف الضغط عن المهاجرين عبر ممرات إنسانية.

  5. تعزيز الوعي الشعبي لدى السوريين بمخاطر الهجرة غير الشرعية، عبر حملات إعلامية ميدانية وواقعية.


الجانب الإنساني: نداء من أجل الحياة

بعيدًا عن السياسة والأمن، لا يمكن تجاهل البعد الإنساني في هذه المأساة. فكل مركب يغادر الشاطئ السوري، يحمل على متنه قصصًا من الحلم، والخوف، والجوع، والانكسار.

أمهات يبعن آخر ما تبقى لديهن لتأمين ثمن الرحلة، شباب يخاطرون بحياتهم ليكملوا دراستهم أو يبدأوا من جديد، أطفال لا يفهمون سبب وجودهم على قارب يتأرجح بين الأمواج.

هذه القصص لا يجب أن تُختزل في بيانات أمنية أو أرقام معتقلين. هي مرآة لمعاناة شعب يبحث عن الحياة خارج أرضه، بعد أن ضاقت به الحياة داخلها.


الخاتمة: البحر ليس مخرجًا… بل علامة على الانهيار

كل مرة يُضبط فيها قارب تهريب من سوريا إلى لبنان أو قبرص، علينا أن نعيد طرح السؤال الأهم: لماذا يهرب الناس؟ ما الذي يدفع شابًا أو أمًا أو طفلًا إلى خوض المجهول؟ وما الذي يمنع الدول من إنهاء جذور هذه الهجرة، بدلًا من مطاردة نتائجها؟

البحر ليس حلًا، ولا المراكب مطيّة إلى الأمان. ما لم تُعالج الأسباب الحقيقية للفقر، وانعدام الأمان، وانسداد الأفق، ستستمر هذه القوارب في الإبحار، محمّلة بأحلام قد لا تصل أبدًا.

Show Comments (0) Hide Comments (0)
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x