Shopping Cart
Total:

$0.00

Items:

0

Your cart is empty
Keep Shopping

دعوة دمشق للدبلوماسيين المنشقين: مبادرة حكومية لعودة السفراء المنشقين إلى البلاد تثير التساؤل: لمّ للشمل أم تصفية حسابات؟

في خطوة غير مسبوقة منذ سنوات الحرب، وجّهت الحكومة السورية دعوة رسمية إلى عشرات الدبلوماسيين السوريين المنشقين للعودة إلى البلاد، معلنةً أن الوطن “يتسع للجميع”، وأن المرحلة القادمة تحتاج إلى جهود كل أبنائه دون استثناء. هذه المبادرة التي فُهمت على أنها بادرة انفتاح وتسامح سياسي، أثارت في المقابل موجة من الجدل، سواء في الأوساط الدبلوماسية السابقة، أو بين معارضي النظام، وحتى في الشارع السوري نفسه.

فهل نحن أمام تحول حقيقي في منهجية السلطة بعد أكثر من عقد من الصراع؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه محاولة تكتيكية لإعادة تدوير بعض الوجوه في سياق استعادة الشرعية؟ هذا ما يحاول المقال تحليله من زوايا متعددة، ضمن مشهد سياسي معقد داخليًا وإقليميًا.


مرحلة جديدة… ونبرة تصالحية

على مدى السنوات الماضية، شكّلت الانشقاقات في صفوف الدبلوماسيين السوريين علامة فارقة في المشهد العام. فبداية من سفراء في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وصولاً إلى قناصل وسفراء في عواصم أوروبية، شهدت الخارجية السورية موجة من الانشقاقات طيلة السنوات الأولى من الأزمة، اعتُبرت آنذاك دليلاً على التصدع العميق في مؤسسة الدولة.

لكن مع التحولات السياسية والميدانية التي طرأت على المشهد السوري، وبعد انتخاب رئيس جديد للبلاد يمثل ما تسميه الحكومة “مرحلة إعادة الإعمار الوطني”، صدرت دعوة لافتة بالعودة إلى الداخل، شملت دبلوماسيين سابقين، بل وبعض موظفي البعثات الدبلوماسية السورية في الخارج الذين عبّروا عن مواقف مناوئة للنظام خلال سنوات الأزمة.

الدعوة جاءت ضمن خطاب رسمي وصفته الحكومة بـ”التاريخي”، تحدث فيه الرئيس السوري الحالي عن “طيّ صفحة الماضي” و”المصالحة الوطنية”، مؤكدًا أن البلاد تحتاج إلى جميع أبنائها، وخاصة الكفاءات والخبرات التي اكتسبت مكانة دولية ويمكن أن تُسهم في بناء سوريا الجديدة.


انقسام في ردود الفعل

ردود الفعل على هذه الدعوة انقسمت إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:

1. الترحيب المشروط

هناك فئة ترى أن هذه الخطوة تعكس نضجًا سياسيًا وتغيّرًا في أسلوب السلطة، وتفتح الباب أمام مشروع وطني جامع. لكنها في المقابل تشترط أن تكون العودة ضمن ضمانات قانونية تمنع الاعتقال أو المحاسبة السياسية. كثير من هؤلاء الدبلوماسيين المنشقين يحملون اليوم جنسيات مزدوجة أو يقيمون في دول غربية، ويخشون أن يكونوا هدفًا لعمليات انتقامية إذا عادوا دون ترتيبات دولية أو ضغوط خارجية تحميهم.

2. الرفض القاطع

في الجهة المقابلة، عبّر عدد من المعارضين البارزين عن رفضهم القاطع للدعوة، معتبرين أنها لا تعدو كونها محاولة لتلميع صورة النظام دوليًا، خصوصًا في ظل سعي دمشق إلى كسر العزلة الدبلوماسية التي فُرضت عليها طيلة السنوات الماضية. هؤلاء يشككون في نوايا الحكومة، ويعتقدون أن العودة قد تعني التعرض لمحاكمات صورية أو استخدام العائدين كأدوات إعلامية لدعم سردية “الانتصار” على المؤامرة.

3. الترقب والحياد

هناك أيضًا شريحة ثالثة فضّلت الترقب. فبعض الدبلوماسيين السابقين، رغم عدم إعلانهم موقفًا معاديًا صريحًا خلال الأزمة، آثروا الانسحاب الصامت والابتعاد عن المشهد. هؤلاء يدرسون اليوم الموقف بحذر، ويرغبون في رؤية مؤشرات ملموسة على نية السلطة في استيعابهم ضمن هيكل دبلوماسي جديد، لا يعاملهم كـ”عائدين نادمين” بل كمشاركين حقيقيين في رسم السياسات الخارجية لسوريا الجديدة.


أهداف خفية أم استراتيجية مدروسة؟

ورغم الطابع الإنساني والتصالحي الذي حاول الخطاب الرسمي إبرازه، إلا أن مراقبين للشأن السوري يرون في هذه الخطوة أبعادًا سياسية أبعد من مجرد لمّ الشمل.

أولًا، تحاول الحكومة أن ترسل إشارات إيجابية إلى الخارج، خاصةً إلى الدول الأوروبية التي لا تزال متحفظة على التطبيع الكامل مع دمشق. إعادة بعض الدبلوماسيين المنشقين – الذين سبق أن أقاموا علاقات مع مسؤولين غربيين – قد تتيح قناة خلفية جديدة لتجديد العلاقات وفتح أبواب دبلوماسية مغلقة منذ سنوات.

ثانيًا، تساهم هذه الخطوة في كسر الصورة النمطية التي رُسمت عن النظام السوري كسلطة ترفض التعدد السياسي وتقوم بتصفية الخصوم. هي رسالة تقول إن دمشق “تسامح” وتستوعب حتى من خالفها، شرط أن يعود إلى حضن الوطن.

ثالثًا، في ظل الصراع على الشرعية التمثيلية في بعض المحافل الدولية، قد تسعى الحكومة إلى إعادة تفعيل حضورها عبر شخصيات كانت حتى وقت قريب في صفوف المعارضة، مما يمنحها مزيدًا من “الشرعية المعنوية” أمام المجتمع الدولي.


ماذا عن الضمانات؟

لكن السؤال الأهم يبقى: هل ستقدم الدولة ضمانات حقيقية لهؤلاء الدبلوماسيين إذا قرروا العودة؟ وهل سيتاح لهم العمل من جديد في السلك الدبلوماسي، أم ستكون عودتهم شكلية دون دور فاعل؟

المطلعون على هيكل الدولة السوري يقولون إن الأجهزة الأمنية لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في تعيين وتقييم الكوادر، بما في ذلك في وزارة الخارجية. من هنا، فإن أي عودة محتملة يجب أن تمر عبر غربال الموافقات الأمنية، وهو ما قد يقلل من حماسة كثيرين للعودة.

علاوة على ذلك، لم تتضح بعد معايير “التسامح” وحدود “العدالة الانتقالية” التي تتحدث عنها الحكومة. فهل سيُطلب من العائدين الاعتذار؟ أم التوبة السياسية؟ أم سيكون هناك إلغاء لما كتبوه أو صرّحوا به سابقًا؟ وهل سيتم تصنيفهم كـ”شركاء” أم “منشقين عائدين”؟

كل هذه الأسئلة لا تزال بلا إجابات واضحة، وهي ما يجعل المراقبين يتعاملون مع هذه المبادرة بحذر مشروع.


الرأي العام المحلي… بين الترحيب والريبة

على الأرض، تباينت ردود الفعل الشعبية كذلك. ففي الشارع الدمشقي، رأى البعض أن هذه الخطوة ضرورية لفتح صفحة جديدة، وأن المهم هو “من يريد أن يخدم بلده” بغض النظر عن مواقفه السابقة. بينما عبّر آخرون عن ريبة، قائلين: “من هرب وقت الحرب، لماذا يعود الآن وقد هدأت الأمور؟ هل ليأخذ منصبًا؟”.

في مناطق المعارضة أو الشتات، عبّر سوريون عن غضبهم من “إعادة تدوير شخصيات لا تزال تملك امتيازات السلطة”، معتبرين أن التغيير الحقيقي لا يتم عبر “إعادة المنشقين” بل عبر “بناء دولة جديدة لا تُقصي أحدًا”.


مناورات أم بداية مرحلة سياسية مختلفة؟

بعض التحليلات ترى أن دمشق تحاول من خلال هذه الخطوة أن ترسم صورة مختلفة عن نفسها: سلطة جديدة تتحدث بلغة مختلفة، تريد أن تفتح أبواب الدبلوماسية والتسامح، لكن بشروطها.

قد يكون الأمر مناورة تستهدف استمالة الرأي العام الدولي، أو قد يكون مؤشرًا على تغير فعلي في عقل الدولة السورية. فمرحلة ما بعد الحرب تتطلب أدوات مختلفة، وقد تكون الاستعانة بدبلوماسيين مخضرمين، حتى إن كانوا منشقين سابقين، جزءًا من هذه الأدوات.


الخاتمة: مفترق طرق

في نهاية المطاف، لا يمكن فصل هذه المبادرة عن السياق العام الذي تعيشه سوريا اليوم. فمع اقتراب مرحلة الإعمار، وبدء عودة بعض العلاقات الخارجية، تسعى السلطة إلى إعادة ترتيب بيتها الداخلي – دبلوماسيًا كما سياسيًا.

دعوة السفراء المنشقين للعودة إلى البلاد تمثل خطوة جريئة على الورق، لكنها تبقى بحاجة إلى خطوات عملية وتطمينات حقيقية كي لا تُفهم كفخ سياسي أو لعبة علاقات عامة. إن كان الهدف فعلاً هو بناء وطن للجميع، فلا بد أن يُترجم ذلك في السياسات والمؤسسات، لا في الخطابات فقط.

وفي انتظار من سيقبل هذه الدعوة، ومن سيرفضها، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام تصالح حقيقي؟ أم أمام محاولة لتصفية حسابات سابقة باسم الوطنية والمستقبل؟

Show Comments (0) Hide Comments (0)
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
Notify of
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x